Pages

قتلة سوزان تميم لا أمل لهم بتعاطف المفتي المصري

بعد أربعة دقائق من دخوله قاعة السادات بمحكمة جنوب القاهرة، كان المستشار المحمدي قنصوة قد انتهى من تلاوة حكمه بتحويل أوراق رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى والضابط السابق محسن منير السكري إلى فضيلة المفتي لاستطلاع رأيه بشان إعدام المتهمين.

لحظات وبدأ الجدل، وتبارى محامو المتهمين في التشكيك في الحكم، وعرض ما تبقى في جعبتهم من حجج سبق ونظرتها المحكمة، مستفيدين من غياب الطرف الآخر "هيئة المحكمة"، واستحالة الوقوف أمام المحامين كطرف عبر وسائل الإعلام.

وكان الملمح المشترك في خطاب المحامين وأهالي المتهمين، أن ما جرى أمس الخميس مجرد جولة من جولات التقاضي، وأن الحكم لم يصدر بعد، وينتظر تقرير المفتي، كما أنه في حالة صدوره بالإعدام هناك درجات أخرى للتقاضي، من الممكن أن ينالا فيها البراءة أو يخفف الحكم.

تصريحات المحامين ظاهرها صحيح وباطنها يجافي الحقيقة، فإذا كان الحكم لم يصدر بعد فإن تقرير المفتي المنتظر في عرف القانون لا يلزم المحكمة ، وإذا افترضنا تعارضه مع مقصد القضاة ونيتهم في إعدام المتهمين فلن يغير شيئا، والتاريخ القضائي يثبت أن القضاة لا يتراجعون عن تنفيذ أحكام الإعدام وفقا لرأي المفتي إلا في حالة وحيدة، وهي قتل أحد الوالدين لولده، ففي تلك الحالة لا يصح إسلاميا، ورغم ذلك للمحكمة الحق في تجاهل استشارته.

والمفتي غالبا ما يدرس القضية المعروضة عليه مع مجموعة من المستشارين القانونيين، يدرسونها من زاويتيها القانونية والدينية، ويقدمون تقريرا شاملا، يقر رأي الدين في إعدام المتهم، كما يلفتون النظر إلى بعض الجوانب القانونية أو الثغرات، تأخذها هيئة المحكمة في الاعتبار قبل النطق بالحكم ومن الممكن أن تراجع نفسها، لكن ذلك احتمال لا تتعدى نسبته 1%.

من الممكن فهم مقاصد المحامين والتماس العذر لهم فيما يقولون من تصريحات، إذا وضعناها في عدة أطر، منها الرغبة في إزالة الصور النمطية التى تكونت عنهم بعد الحكم بأنهم قصروا في الدفاع عن المتهمين، وهو ما يؤثر على فرصهم التسويقية فيما بعد، أو رغبتهم في استعراض مهاراتهم أمام الشاشات أو كسب عطف الرأي العام تجاه المتهمين لمحاولة الضغط على القضاء مستقبلا.

وإذا كان المحامون تباروا في تقديم الشكوك في الحكم، فإن هيئة المحكمة لا تستطيع تقديم أدلتها القاطعة أمام الإعلام، ومن بين تلك الدلائل تحليل الدي إن إيه الذي يثبت أن نقطة من دماء السكري وجدت بمسرح الجريمة، وإقرار السكري نفسه بارتكابها نظير 2 مليون دولار، ونص مكالمات هاتفية ورسائل لهشام وهو يوصيه بقتلها، وسكين الجريمة، وتعقب المتهم لها في لندن ثم دبي، وهناك التصوير الفيديو المسجل له وهو يدخل برج الرمال في دبي ليذبح سوزان تميم.

قانونا لم يعد المتهمون متهمين، بل هم في عرف القانون مذنبون، والحكم عنوان الحقيقة، واستعراض رأي المفتي القصد منه استعراض رأيه في العقوبة وليس موقفهم من القضية، فقد استقر في وجدان المحكمة أنهما ارتكبا جريمة قتل سوزان تميم فعلا.

والفرق كبير بين المتهم والمذنب، فإذا كان هشام والسكري صباح اليوم بريئان حتى يثبت العكس، فهما الآن متهمان حتى يثبت العكس، من الخطأ التعاطف معهما أو الغضب من أجلهما، هم الآن مجرمان يستحقان القتل في نظر القانون.

والفرص القادمة للسكري وهشام احتمالية، فبعد صدور حكم الإعدام كما يتوقع في 25 يونيو القادم، سيجهز الدفاع مذكرة تقدم للنقض خلال 60 يوما، وإذا رفضتها محكمة النقض سيعدمان وفرصة النجاة الوحيدة هنا إصدار عفو من رئيس الجمهورية، وهو أمر مستبعد لظروف كثيرة، أبرزها عدم وجود ما يستدعي ذلك إضافة لحسابات أخرى من الممكن أن تؤثر بالسلب على علاقات مع دول بعينها، كما أن النظام المصري لا يفيده أن يدافع عن قاتل، وإذا قبل الطعن ستعاد محاكمة المتهمين أمام دائرة أخرى تصدر أحكاما بالإدانة أو البراءة، ومن الممكن الطعن مرة ثانية، من قبل النيابة، وفي تلك الحالة تعاد المحاكمة ومن الممكن أن يأخذ المتهمان أحكاما أعلى، أو الطعن من قبل الدفاع وهنا تصدر محكمة النقض حكمها إما بتأييد الحكم السابق أو تخفيفه أو البراءة ولا يمكن أن تصدر أحكاما أشد.

حسابات معقدة لن تأخذ أقل من عام حتى تسدل الصفحة الأخيرة في القضية التي شغلت الرأي العام على مدى 27 جلسة، بدأت عقب توقيف ضابط الشرطة السابق محسن منير على السكري في مقهى بالقاهرة بعد اتهامه بقتل سوزان تميم لصالح رجل العمال هشام طلعت مصطفى، الذي ارتبط بها عاطفيا، وكان يريد الزواج منها بعد طلاقها من زوجها اللبناني عادل معتوق، واستضافها في القاهرة قبل أن تشتعل الخلافات بينهما، وتستقر في لندن برفقة الملاكم العراقي رياض الغزاوي، ثم تهرب إلى دبي طالبة الحماية، إلى أن ذبحت.

تميم تحولت من مطربة مغمورة إلى قتيلة هي الأشهر في الميديا العربية، أصابت لعنتها الجميع، اتهم والدها في قضية مخدرات قال إن زوجها السابق لفقها له، وهوت برجل أعمال ناجح اقتصاديا وسياسيا إلى الجحيم، وقادته برفقة ضابط شرطة سابق حقق نجاحات مهنية غير مسبوقة إلى حبل المشنقة، كما هوت قضيتها بأسهم طلعت مصطفى لحدود دنيا، أثرت على البورصة المصرية بالكامل، يكفي أن يوم الحكم فقط هوت الأسهم لأسفل بمقدار 4%، وفقدت أسهم المجموعة وحدها 20 % من قيمتها.

انتهى الفصل الأول من القضية على حقيقة أن السكري ومصطفى قاتلان يستحقان الشنق، وينتظر الجميع فصولا أخرى، لكن المؤشرات تقول إنه الفصل الأخير.




alssiyasi